فصل: البحث الخامس تشريح الغشاءين المحيطين بالدماغ وهما الأمّان الغليظة والرقيقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تشريح القانون (نسخة منقحة)



.البحث الخامس تشريح الغشاءين المحيطين بالدماغ وهما الأمّان الغليظة والرقيقة:

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
وقد جلل الدماغ كله بغشائين.
إلى قوله: ارتباط الغشاء الثخين بالقحف أيضًا.
الشرح:
إن الدماغ بطبعه شديد اللين والجرم الذي يحيط به عظم والعظم شديد الصلابة وفي بعض الأحوال مثل الطرح الشديد ويتورم جرم الدماغ ونحو ذلك يحتاج أن يلاقي الدماغ العظم المحيط به إذ لم يكن بينهما حائل يمنع من هذه الملاقاة.
وملاقاة الشديد اللين للجرم الشديد الصلابة لا شك أنها مؤلمة مضرة باللين فلا بد وأن يكون بينهما حائل يمنع من هذه الملاقاة.
وذلك الحائل يجب أن لا يكون شديد الصلابة وإلا كان الدماغ يتضرر جدًّا.
بملاقاته ويجب أيضًا أن يكون شديد اللين بملاقاة العظم فإنه شديد الصلابة فلا بد من أن يكون في صلابته متوسطًا ولكن المتوسط بين شدة لين الدماغ وشدة صلابة العظم بالنسبة إلى الدماغ صلب لأن التفاوت بين لين الدماغ وصلابة العظم كبير جدًّا فلذلك لا بد من أن يكون ما يلاقي الدماغ من هذا المتوسط مائلًا إلى اللين حتى يكو مائلًا للدماغ فلا يتضرر به الدماغ ولا بد من أن يكون ما يلاقي العظم أو يتوقع ملاقاته في بعض الأحوال مائلًا إلى الصلابة حتى لا يتضرر بملاقاة القحف.
فلذلك لا بد من أن يكون ما يلي الدماغ مخالفًا جدًّا في قوامه لما يلي العظم وإذا كان كذلك لم يكن أن يكون ذلك المتوسط جرمًا واحدًا لأن الجرم الواحد إنما يختلف سطحاه المتقابلان اختلافًا كبيرًا في الصلابة واللين إذا كان لذلك الجرم سمك كثير.
ذلك يلزمه أن يملأ مسافة كبيرة من فضاء داخل القحف فلذلك لا بد من أن يكون هذا التوسط جرمين رقيقين ليكونا غير مائلين لقدر كثير من ذلك الفضاء فلذلك لا بد أن يكون غشاءين ويكون ما يلي الدماغ منهما لينًا جدًّا وما يلي القحف إلى صلابة يعتد بها ويجب أن يكون ما يلي الدماغ رقيقًا جدًّا لأن ذلك يكفي في حدوث صلابة ما لظاهر الدماغ بها يمكن ملاقاته الأم الجافية من غير إيلام الدماغ وأما ما يلي القحف فيجب أن يكون غليظًا إذ لو كان رقيقًا جدًّا لتهيأ للتمزق بما يحدث هناك من الرياح أو الأبخرة ونحوهما لأن هذا الغشاء ليس يعتمد على عضو يقوي به كما يعتمد الغشاء الرقيق على الدماغ لأنه يلاقيه.
ولما كان الدماغ يحتاج أن يتصل به عروق كثيرة جدًّا ضاربة وغير ضاربة.
وذلك لأنه يحتاج إلى ذلك لأجل نفسه للاغتذاء واستفادة الحياة ويحتاج إلى ذلك لأجل توليد الروح النفساني فلذلك احتيج أن يكون ما يصل إليه من العروق بكثرة.
وهذه العروق لو لم تكن مخالطة لجرم إلى الصلابة لكانت أو ضاعها تختل بسبب تحريك ما يحدث حول الدماغ من الرياح والأبخرة فلذلك لابد من أن يكون تلك العروق مداخلة لجرم إلى الصلابة لحفظ أو ضاع بعضها من بعض ويجب أن يكون الجرم ملاقيًا للدماغ حتى تكون تلك العروق ملاقية للدماغ لتحيل ما فيها إلى الدم والروح إلى مشابهة طبيعته فيقرب بذلك من اعتدال حتى يكون الدم إلى الدماغ ضاربها وغير ضاربها مخالطة لجرم الغشاء الرقيق الملاقي للدماغ فلذلك سمي هذا الغشاء المشيمي لأجل مشابهته للمشيمة التي للجنين في حفظها لأوضاع ما يأتيه من العروق فلذلك هذا الغشاء المجلل للدماغ الملاقي له يحتاج أن تكون فيه عروق كثيرة جدًّا.
وأما الغشاء الآخر الغليظ فإنه إنما يخالطه من العروق ما يوصل إليه غذاه فإن كان قد تنفذ فيه عروق أخرى تخدمه إلى المجرى فلذلك كان هذا الغشاء قليل العروق بخلاف الغشاء الرقيق مع أن الغليظ أحوج إلى كثرة الغذاء من الرقيق.
قوله: ولذلك ما يداخل أيضًا جوهر الدماغ معناه ولما كان الغشاء الرقيق كالمشيمة في حفظ أو ضاع العروق التي منها يغتذي الدماغ وجب أن يكون لهذا الغشاء مداخلة كبيرة لجوهر الدماغ ليوصل إليه الغذاء من تلك العروق.
قوله: وينتهي عند المؤخر منقطعًا الغشاء الرقيق يدخل إلى داخل الدماغ وذلك من الطي الذي ذكرناه وإذا خرق ذلك الطي جرم الدماغ إلى بطونه غشاء تلك البطون من داخل إلا البطن المؤخر فإنه لصلابته استغنى عن هذه التغشية.
وذلك لأن من فوائد هذه التغشية حفظ أو ضاع أجزاء الدماغ وذلك لأجل إفراط لينه وقبوله للإنعواج والانثناء ونحو ذلك بسبب إفراط ما يحدث في الدماغ من الرياح والأبخرة ونحوها والبطن المؤخر لأجل قلة لينه يستغني عن ذلك فلذلك باطنه يخلو من هذا الغشاء.
والله ولي التوفيق.

.البحث السادس تعديل بطون الدماغ:

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
وللدماغ في طوله ثلاثة بطون.
إلى قوله: للمؤخر عن المقدم موجود في الزرد.
الشرح:
لما كان الدماغ مبدأ للروح النفساني وإنما يكون ذلك بإحالة المادة التي تتحقق منها إلى المزاج الذي به يتحقق ذلك وذلك إنما يتم في زمان يعتد به وجب أن تكون للروح الذي فيه يتكون من الروح النفساني مكانًا يبقى فيه زمانًا في مثله يصير ذلك الروح نفسانيًا وذلك المكان هو البطون ويجب أن تكون هذه البطون كثيرة لأن الروح الذي يتكون منه هذا الروح النفساني كما بيناه في موضعه هو الروح الذي يأتي من القلب فلا بد من مكان يتعدل فيه هذا الروح حتى يستعد لأن يصير نفسانيًا وإذا استعد لذلك وجب أن ينفذ إلى مكان آخر فيكمل فيه استحالته إلى الروح النفساني وإنما لا يبقى في مكانه إلى تمام هذه الاستحالة لأن ذلك المكان يحتاج أو لًا أن يخلو حتى يصير فيه روحًا آخر يستعد ذلك الاستعداد ثم يتحرك إلى حيث تكمل استحالته ليبقى عمل الدماغ في الروح الآتي من القلب مستمرًا ومع ذلك لا يخلو عن روح نفساني ولو كملت استحالة هذا الروح في المكان الأول لكان إنما يمكن أن يصل إلى ذلك المكان روح آخر بعد خلوه وإنما كان يخلو إذا توزع ذلك الروح النفساني على الأعضاء وحينئذٍ كان الدماغ يخلو عن روح نفساني إلى أن يكمل استحالته ذلك الوارد فلذلك احتيج أن تكون للروح النفساني مكان يسستعد فيه لذلك ومكان يتم فيه استحالته إلى ذلك ولا بد من مكان آخر منه يتوزع ذلك الروح على الأعضاء فلذلك احتيج أن يكون للدماغ ثلاثة بطون: بطن يستعد فيه الروح الآتي من القلب لأن يصير نفسانيًا وبطن تتم فيه استحالته إلى ذلك وبطن يتوزع منه الأعضاء.
فإن قيل: وهلا كان البطن الذي يكمل استحالته هو الذي يتوزع منه على الأعضاء قلنا هذا لا يصح وإلا كان الروح الذي استعد في البطن الأول لأن يصير نفسانيًا إنما يصل إلى البطن الذي يكمل فيه استحالته بعد توزع ما في ذلك البطن من الروح على الأعضاء.
وحينئذٍ كان يلزم ذلك خلو الدماغ عن روح نفساني هذه استحالة الروح المستعد لتمام الاستحالة وذلك لا محالة يلزمه ضرر عظيم فلذلك لا بد من أن يكون الدماغ ثلاثة بطون وكل واحد من هذه البطون فإنه يجب أن يقسم إلى جزأين ليقوم كل واحد منهما بفعل ذلك البطن المقدم أظهر لأن هذا البطن لكبره يتسع لفاضل غليظ يفصل بين جزأيه ولا كذلك غيره.
والمشهور هو المذكور في الكتاب.
إن الروح الحيواني ينفذ أو لًا إلى البطن المقدم فينبطخ فيه أي أنه يستحيل فيه إلى مشابهة مزاج الروح النفساني استحالة ما ثم ينفذ بعد ذلك إلى البطن الأوسط ويزداد فيه هذه الاستحالة ثم إن هذه الاستحالة تكمل في البطن المؤخر وهذا مما لا يصح وذلك لأن الروح الحساس يحتاج أن تكون بغاية الاعتدال ليحس بكل انحراف ويخرج عن الاعتدال ولا كذلك الروح الذي به الذكر والفكر فإن هذا الروح يحتاج إلى أن يكون إلى الحرارة ولذلك فإن البرودة شديدة الإضعاف للذكر.
ولذلك فإن المشايخ يضعف هذه القوة الحافظة والذاكرة فيهم وكذلك الفكر يضعف بالبرد ولذلك فإن المشايخ الهرمين يعرض لهم الخرف كثيرًا.
فلذلك الحق: إن الروح الحيواني يصل أو لًا إلى البطن المؤخر فيعتدل فيه قليلًا ثم يزداد اعتدالًا في البطن الأوسط وهو أشد اعتدالًا ثم يكمل هذا الاعتدال في البطن المقدم فلذلك يكون الروح الذي في المقدم أشد اعتدالًا من الذي في البطن الأوسط وهو أشد اعتدالًا من الذي في البطن المؤخر وما ذلك إلا أن الروح الحيواني ينفذ أو لًا إلى البطن المؤخر ثم ينفذ بعد ذلك إلى البطنين الآخرين.
وهيئة التشريح تصدق ذلك وتكذب قولهم فإن نفوذ الشرايين إلى داخل القحف إنه لا يكون من البطن قوله: والغشاء الرقيق يستبطن بعضه فيغشي بطون الدماغ إلى الفجوة التي عند الطاق.
قد قالوا إن عند منتهى البطن المقدم موضعًا عميقًا ومن هناك يبتدئ البطن الأوسط وذلك الموضع يسمى مجمع البطنين أي أنه هناك يجتمع البطنان اللذان للبطن المقدم وهما اللذان أحدهما يمنة والآخر يسرة وهذا الموضع يسمى فجوة.
وأما الطاق فقد يراد به الغشاء الرقيق الغائص في جرم الدماغ وهو الذي يقسمه إلى جزأين: أحدهما مقدم والآخر مؤخر.
وهذا الغشاء عند غوصه في الدماغ يغوص وهما طاقان: طاق من قدام ذلك الموضع وطاق من مؤخره.
وقد يراد بالطاق سقف البطن الأوسط لأنه كالقعد المستدير ويغشيه الغشاء الرقيق لباطن الدماغ إنما هو قرب هذا الموضع وذلك لأنه ما بعده إلى خلف تغشية صلابة هذه التغشية كما ذكرناه أو لًا. والله ولي التوفيق.

.البحث السابع تشريح المشيمية ما يأتيها من العروق:

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
وبين هذا البطن والبطن المؤخر من تحتهما مكان هو متوزع العرقين العظيمين الصاعدين.
إلى قوله: ويكون هناك تنسج على مثال المتنسج في المشيمة فيستقر فيه.
الشرح:
قد كنت عرفت أن تحت الغشاء الذي ذكرنا أنه ينقسم إلى جزأين مقدم ومؤخر إلى خلفه مكان ضيق من تقعر الأم الجافية الحاوية للدماغ من تحته فإن هذا المكان مملوء من الدم فإن الفائدة في ذلك أن يتعدل ذلك الدم حتى يصلح لتغذية الدماغ إذ الدم الوارد إلى الدماغ لا بد وأن يكون حارًا والألم يسهل تصعده فلو خالط الدماغ عند أول وصوله لسخنه وأخرجه عن المزاج الموافق له.
فلذلك احتيج أن يبقى هذا التقعير قبل نفوذه ومخالطة الدماغ مدة في مثلها ويقرب من ماج الدماغ.
وهذا المكان يسمى البركة ويسمى المعصرة وقد عرفت السبب في ذلك وإذا تعدل هذا الدم وصلح لتغذية الدماغ فلا بد من تصعده إليه وإنما يمكن ذلك بامتصاص العروق له من فوهاتها.
إنما يمكن ذلك بأن تكون تلك العروق كثيرة جدًّا لتمكنها أن تمتص كل وقت من هذا الدم ما يكفي لتغذية الدماغ مع أن هذا الامتصاص عسير وذلك لأن هذا الدم إنما يتعدل ويشابه مزاج الدماغ مشابهة ما بأن يبرد الدم إذا برد غلظ وأفواه العروق الصغار ضيقة فذلك إنما يتمكن من امتصاص ما يكفي الدماغ من هذا الدم في زمن قصير إذا كانت كثيرة جدًّا وعند نفوذها إلى الدماغ لا يمكن أن تكون كثيرة وإلا لزم ذلك تثقب الأم الرقيقة لكل واحد منها فيكثر فيها الثقوب وذلك مضعف لجرمها.
فلذلك هذه العروق الماصة لهذا الدم لا بد من أن يكون أو لًا كثيرة ومتفرقة جدًّا لتلاقي مواضع كثيرة ثم إذا صعدت إلى قرب الدماغ فلا بد من اجتماعهما وينبغي أن يكون ذلك إلى عرقين أحدهما يمنة والآخر يسرة لتكون قسمة الدم على جانبي الدماغ على الوجه العدل ثم إن هذين العرقين يتوزعان إلى عروق كثيرة تنبث في الغشاء الرقيق فيكون ذلك في المشيمة ثم يداخل جوهر الدماغ لإيصال الغذاء إليه والشعب الماصة للدم هي لهذين العرقين كالأصول للشجرة لأن منها يأتي لمادة إلى هذين العرقين وقد ملئ الخلل بينهما بجسم غددي ليحفظ أو ضاع بعضها عند بعض.
وخلق ذلك الجرم غدديًا ليكون محيلًا لما في تلك العروق إلى مشابهة بجوهر الدماغ لأن الأجرام الغددية جميعها كثيرة الرطوبة ولما كانت هذه العروق من أسفل منفرجة ومن فوق مجتمعة إلى هذين العرقين وجب أن يكون هذا الجرم الغددي صنوبري الشكل ويكون رأسه وهو الدقيق منه من فوق. وقاعدته وهو الغليظ منه إلى أسفل. والله ولي التوفيق.